علاج السرطان: تعـريف الجـذعية

الخلايا الجذعية السرطانية: الفلسفة والعلاج

 لوسي لابلين مطبعة جامعة هارفارد،2016

ISBN: 9780674088740

ينتابني دائمًا شعور بعدم الارتياح بخصوص المفاهيم والتعريفات التي نستخدمها في مجال الخلايا الجذعية، إذ تبدو بعض الحجج كالحلقة المفرغة، كما أن الملاحظة والفرض ليسا منفصلين تمامًا. فقد سألتُ زميلًا ذات مرة عن أفضل تعريفاته للخلية الجذعية، فكانت الإجابة: إنها الخلية التي تستطيع التجدُّد ذاتيًّا. إذَن، ما هو التجدد الذاتي؟ الإجابة الفورية: إنه ما تقوم به الخلايا الجذعية.

ولضبابية مفاهيم الخلايا الجذعية وتعريفاتها عواقب جسيمة، فهي تؤثر على كيفية تصميمنا وإجرائنا للتجارب، وتفسيرنا للنتائج، وكيفية إعلاننا عن اكتشافاتنا، وأخيرًا.. الطريقة التي نصمِّم بها العلاجات التي تستهدف تدعيم القدرة على تجديد الخلايا الجذعية السليمة، أو استئصال الخلايا التي تحفِّز نمو الأورام. وبالرغم من هذه الأمور المقلقة، إلا أنني ـ كواحد من العلماء التجريبيين ـ لم أتمكَّن أبدًا من وضع إصبعي بالضبط على موضع الفشل في الحس العلمي العام.

وإذا ما تطرّقنا إلى لوسي لابلان وكتابها «الخلايا الجذعية للسرطان»، سنلحظ أنّ لابلان تدرَّبت كاختصاصية في فلسفة العِلْم، كما قضت بعض الوقت في الدراسة العملية بمعملين للخلايا الجذعية. وكتابها هذا هو ثمرة جهود ستة أعوام في وصف وبناء الأسس الفلسفية لعلم الخلايا الجذعية. وإضافة إلى استيعابها لكل الأدبيات التجريبية – التاريخية والعلمية – ذات الصلة، أجرت لابلان مقابلات مع الباحثين والأطباء الإكلينيكيين الرواد على المستوى الدولي في مجال الخلايا الجذعية. كما ناقشت رؤاها البازغة مع زملاء من الفلاسفة ومؤرِّخي العلم. وانطلاقًا من اهتمامها بالخلايا الجذعية السرطانية، يَبنِي الكتابُ ـ رغم عنوانه ـ إطارًا عامًّا أعرض بكثير؛ لفَهْم بيولوجيا جميع أنواع الخلايا الجذعية.

تمثل ملاحظةُ عدم تَسَاوِي جميع خلايا الورم مفهومًا مركزيًّا في الجانب النظري للخلايا الجذعية السرطانية. فالجزء الأكبر من الورم يتكون من خلايا قصيرة العمر، سريعة التكاثر، وخلايا متمايزة، لكن بعض خلايا الورم يبدو المكافئ الخبيث للخلايا الجذعية النسيجية. وبقدر ما تحافظ الخلايا الجذعية العادية على الأعضاء السليمة بإنتاج خلايا جديدة للأنسجة، تعمل الخلايا الجذعية السرطانية على استدامة الأورام الخبيثة بإنتاج خلايا سرطانية جديدة.

    للضبابية في مجال الخلايا الجذعية عواقب خطيرة، لكنني لم أستطع أبدًا وَضْع إصبعي على موضع الفشل في الحس العلمي العام

تَفترِض نظرية الخلايا الجذعية السرطانية ـ ضمنًا ـ أن الخلايا الجذعية السرطانية تحمل أسلحة الخلايا الجذعية العادية، فهي مُصَمَّمَة لتعيش مدى حياة الإنسان، وهي مقاوِمة لأنواع كثيرة من الإيذاء الكيميائي، أو الفيزيائي، كما يمكنها أن تعيش في مرحلة سبات لفترات طويلة. ومن ثم، فإن الخلايا الجذعية السرطانية قادرة على الصمود أمام العلاج الكيميائي والإشعاع، وهو ما يفسِّر لماذا يكون تجدُّد الحدوث الموضعي هو النتيجة الحتمية تقريبًا لهذا النوع من العلاج. والنقائل الثانوية التي تظهر أحيانًا بعد سنوات عديدة من استئصال ورم ابتدائي قد يكون سببها خلايا جذعية سرطانية كامنة، تجوَّلت لتستقر في مواقع بعيدة. ومن ثم، فإن نظرية الخلايا الجذعية السرطانية تفسِّر لماذا لا يمكن اعتبار مرضى السرطان قد برئوا تمامًا من مرضهم، حتى إذا بدت نتيجة العلاج مشجعة. والأهم.. أن نظرية الخلايا الجذعية السرطانية تَعِدُ بتطوير علاجات مبتكرة، ليس عن طريق تقليص كتلة الورم، وإنما عن طريق استئصال «قلبه النابض»، ألا وهو الخلايا الجذعية السرطانية.

تبدأ لابلان عرضها الشامل بوصف كيف ازدهرت شعبية نظرية الخلايا الجذعية السرطانية عبر العقدين الأخيرين، بفضل التطوير السريع في تقنية فَرْز وتصنيف الخلايا، ثم تُقَدِّم نبذة تاريخية ثاقبة، بدءًا من عمالقة القرن التاسع عشر، ومن بينهم تيودور شفان، ورودولف فيرشوف. وتصف ـ بشكل مستقل تقريبًا ـ العمل الذي قام به لِيرُوي ستيفنز، وباري بيرس في مجال زرع خلايا من السرطانات التشوهية، وهي حالات مخيفة لوَرَم، يمكن أن يصيب أي نوع من الأنسجة، بما فيها الأسنان، والشعر. ولقد أفضى ذلك في النهاية إلى اكتشاف نظائرها الفسيولوجية السليمة ـ أي الخلايا الجذعية الجنينية ـ التي توَلِّد كافة أنواع الأنسجة في الأجنة المبكرة، و«التآلف» معها.

تناقش لابلان أيضًا كيف أن عالِم أحياء الخلايا الجذعية الكَنَدي جون دِك أعاد الحياة إلى المجال في تسعينات القرن العشرين، عبر تطوير طرق لدراسة سلوك أنواع مختلفة من خلايا سرطان الدم في البشر، عن طريق زرعها في الفئران. وقد دمج ذلك مع الرؤى الحديثة الخاصة بطبيعة الخلايا الجذعية السليمة، التي تنتج منها جميع أنواع خلايا الدم (الخلايا الجذعية الدموية).

لقد اكتشف دِك أن بداخل المريض نسبة قليلة من خلايا سرطان الدم، قريبة الشبه من الخلايا الجذعية السليمة، ولكن بدلًا من إنتاج خلايا دم طبيعية، تُنتِج خلايا دموية سرطانية باستمرار. وبناء على ذلك.. تستنتج لابلان أن تعريف الخلايا الجذعية السرطانية ودراستها لا يمكن فصلهما عن تعريف الخلايا الجذعية العادية ودراستها.

تُعَرِّف لابلان الخلية الجذعية بأنها الخلية «القادرة على التجدد الذاتي والتمايز». ويُقصَد بالتجدد الذاتي قدرة الخلية على إعادة تكوين نسخة من نفسها عند الانقسام. وتكشف لابلان كيف ساد في مجال الخلايا الجذعية ـ لفترة من الوقت ـ وَصْف كَيْنُونَتَين مختلفتين جدًّا بأنهما خليّتين جذعيّتين سرطانيّتين، وهما الخليتان اللتان تنشأ منهما الأورام، والخلايا الموجودة داخل الأورام، التي تحفِّزها نُمُوّهما على المدى الطويل، رغم الاختلاف الشاسع بينهما، كاختلاف التفاح عن البرتقال. لقد صارع حقل الخلايا الجذعية أيضًا ضد الاختبار الذهبي الذي قدمه دِك، والذي يتضمن زرع خلايا سرطانية بشرية مصنَّفة في الفئران، ثم اعتبار الخلايا التي تكبر، مكوِّنةً وَرَمًا، أنها خلايا جذعية سرطانية. إنّ ما يقيسه هذا الاختبار «البديل» هو موضع جدل.. فهل نمو الخلايا السرطانية، التي يتم التلاعب بها بكثافة في الفئران، يعكس حقًّا سلوك الخلايا نفسها في الورم الأصلي؟ تُقِرّ لابلان بهذه المسائل، وربما ترغب في الطبعة الثانية من الكتاب في أن تتعرض لكيفية استخدام الباحثين لتقنية الوسم الجيني للخلايا الجذعية؛ لتَعَقُّب مشتقاتها عبر الأنسجة الصلبة.

يكشف التحليل الدقيق الذي تقدِّمه لابلان عن مشكلات دلالية وتصوُّرية عميقة في مجال الخلايا الجذعية. وتتوصل الكاتبة إلى إطار عام يتضمن أربع نسخ ممكنة للـ«جذعية»: اثنتان داخليّتا المنشأ، واثنتان خارجيّتا المنشأ. وترى أنه من الممكن أن تكون الجذعية «فئوية»، (أي تَصِف خاصية متأصلة في الخلية الجذعية، ومستقلة عن محيطها)، أو «ترتيبية»، وهي (خاصية متأصلة في الخلية الجذعية، لكنها تَظهَر عندما تتوفر البيئة الصحيحة لظهورها)، أو «ارتباطية»، وهي (سمة يُحْدِثها سبب خارجي في خلية لم تكن لتصبح جذعية، إذا تُرِكَت لتأثير بيئتها المحدودة فقط)، أو «نظامية»، وهي (سمة يُحْدِثها سبب خارجي في جهاز كامل، كنسيج مثلًا، وليس خلية واحدة).

ولا أعتقد أن هناك إجماعًا حاليًّا بشأن المكان الملائم داخل هذا الإطار لوضع أي نوع من الخلايا الجذعية، حتى تلك الأنواع التي حظيت بأفضل دراسة. ومع ذلك.. يظل إطار «جذعية» لابلان ذا قيمة عظيمة. فهو سوف يساعد على توضيح التعريفات والمفاهيم، حتى لو وَفَّرت الأرضية الصلبة فقط التي يمكن الاختلاف عليها. وإضافة إلى ذلك.. يمكن تطبيق هذا الإطار بسهولة في التجريب. وربما ينجح فيلسوفٌ بحق في تقويم مجال الخلايا الجذعية.

Comments

comments